loder

Blog

Home | Blog

تطور الثورات الصناعية والتقدم التقني

15th Nov 2023
Blog

مفهوم الثورة الصناعية:

انطلاقاً من أن التقنية (أو التكنولوجيا)، هي تطبيق المعرفة العلمية على الأهداف العملية لحياة الإنسان، فإن مصطلح "الثورة الصناعية" عادةً ما يُستخدم كشعار مختصر لوصف حصول تغييرات متسارعة في عمليات الابتكار التقني والتي تؤدي بدورها إلى ظهور مجموعة من التقنيات، الأدوات، والآلات بشكل مترافق مع إدخال تحسينات عملية في مختلف المجالات التي تؤثر على العمالة والإنتاج واستخدام الموارد المُتاحة. أما من حيث استخدام المصطلح فهو يُستخدم عادةً لوصف فترة تاريخية بدأت في أواسط القرن الثامن عشر في بريطانيا وكانت مليئة بالابتكارات والاكتشافات العظيمة التي شكلت نقطة انعطاف مهمة لاسـتبدال الأسـاليب القديمة في الإنتاج والاتجاه نحو تأسيس مجتمعات صناعية وحضرية.

أين نحن اليوم من مراحل التطور الصناعي؟

لقد مثّل اختراع المحرك البخاري، واستخدام المكننة لأول مرة في الأغراض الصناعية والإنتاج الشرارة التي أطلقت الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا في أواسط القرن الثامن عشر، وساهمت في إيجاد عصر إنتاجي جديد قائم على مفهوم المكننة والمصانع والرأسمالية الصناعية مترافقاً مع إدخال تحسينات كبيرة على عمليات الإنتاج.

في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بدأت تظهر أدلة متزايدة على قيام ثورة صناعية جديدة "ثانية"، عندما أتقن هنري فورد خط التجميع المتحرك ودشن عصر الإنتاج الضخم. وقد شهدت هذه الفترة كسابقتها تطورات صناعية سريعة، مترافقة مع توسع الانتشار الجغرافي للثورة الصناعية الأولى التي بدأت في بريطانيا نحو جميع أنحاء أوروبا الغربية والولايات المتحدة بشكل أساسي، وقد تميزت تلك الفترة باستغلال الصناعة للعديد من الموارد الطبيعية والصناعية التي لم يتم استخدامها حتى ذلك الحين: المعادن الأخف وزناً، الأتربة النادرة، الخلائط الجديدة، والمنتجات الاصطناعية وعلى رأسها البلاستيك، كما شهد العالم الاستخدام الواسع للحديد والصلب والانتشار الكبير للسكك الحديدية، بناء السفن الحديدية والقطارات البخارية والطائرات، وكذلك دخول المكننة الواسع في التصنيع واختراع محركات الاحتراق الداخلي، وتطور وسائل التواصل وبخاصة التلغراف والهاتف والراديو، مع بدء استخدام مصادر جديدة للطاقة كالنفط وانتشار الكهرباء، وكل ذلك ترافق مع تطور إداري كبير شهد استخدام أساليب تنظيمية حديثة لإدارة الأعمال.

ومع حلول منتصف الخمسينات دخل العالم في طور الثورة الصناعية الثالثة "الثورة الرقمية"، التي بلغت ذروتها في أواخر تسعينات القرن المنصرم، وقد شهدت هذه الفترة اختراعات عظيمة أهمها أشباه الموصلات، أجهزة الكمبيوتر والمعالجات الدقيقة، تطور صناعة الترانزستورات، تطور مصادر الطاقة بشكل كبير وبخاصة المتجددة منها، وتطور الاتصالات السلكية واللاسلكية، الانتشار الكبير لشبكة الإنترنت عالمياً ودخول مفهوم التجارة الإلكترونية وتوسع استخدامه عالمياً. أما في عالم الصناعة، فقد ساعد اختراعان رئيسيان، هما وحدات التحكم المنطقية القابلة للبرمجة (Micro Controller & PLCs) والروبوتات، على ظهور حقبة جديدة من الأتمتة عالية المستوى.

واليوم، يختلف معظم الناس حول أين نقف الآن، حيث يرى كثير منهم أن الصناعة 4.0 هي ثورة صناعية رابعة يشهدها العالم. وقد بدأت الصناعة 4.0 مع بداية الألفية الثالثة مع الشيء المشترك الذي يستخدمه جميع سكان العالم كل يوم تقريباً، الإنترنت. ويمكن القول أن عالمنا قد شهد منعطفاً هاماً منذ ذلك الحين، حيث نشهد تطورات كبيرة ومتسارعة سوف تُحدث بلا شك تغييرات منهجية على مختلف جوانب حياة الإنسان، وبشكل مطرد، وهي نقطة على غاية كبيرة من الأهمية حيث أن التأثيرات الشاملة للتقنيات الناشئة قد تبدو أكثر أهمية بكثير من القدرات المثيرة التي تمثلها، فمن جهة يتم العمل اليوم على توسيع قدرتنا على تحرير الوحدات الأساسية للحياة بشكل كبير من خلال التسلسل الجيني، في حين تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متسارع نحو زيادة العمليات وتطوير المهارات في كل قطاع صناعي أو خدمي، في ذات الوقت تقطع التكنولوجيا العصبية خطوات لم تبلغها البشرية سابقاً في كيفية استخدام الدماغ والتأثير عليه لبلوغ ما قد يبدو أنه آخر حدود علم الأحياء البشري، أما تقنيات بلوك تشاين "blockchain " المستخدمة في تنفيذ المعاملات المعقدة التشاركية والتي  تعتبر حالياً من أهم تطبيقاتها العملات المشفرة فتعمل على إعادة تعريف الحدود ما بين العالمين الرقمي والمادي.

إن هذه الثورة التي نشهدها اليوم سوف تسترشد بالخيارات التي يتم اتخاذها الآن، حيث إن العالم سوف يدين بالكثير من التغيرات التي سوف يشهدها بناءً على كيفية تفكيرنا في هذه التقنيات الجديدة والاستثمار فيها، وبكل تأكيد، كما يُشير كلاوس شواب في كتابه "الثورة الصناعية الرابعة"، فإننا "في بداية ثورة سوف تغير بشكل جذري الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتواصل بها مع بعضنا البعض"، فهي في سرعتها، نطاقها وتأثيرها غير المسبوق لا تُشبه أي شيء شهدته البشرية من قبل.

Last Blog Topics